بالله يادرنــــه ……خبرينـــى …الجـزء 2

منـذ أكثــرمـن عــام ونصـف وأنـا زائـر لمقبـرة الصحابـة سألتـك – حبيبتى درنـه – وأنــا المتيـم بعشقــك فـى مقـال تحـت عنـوان ” بالله يادرنــه … خبرينــى … !!! ” سألتـك يومها وقــد امتـلأت منى المائقـى بالدمـوع بعــد أن فجعـت بما لحقـك من دمـار وإهمال … سألتـك والألـم كان يعصرنى بعـد أن شاهـدت أثـار الحــزن العميـق محفـورا على وجنتـيك ومرتسما فى عينيـك اللتـان فقدتـا البريـق واعياهما السهر والذبـول … سألتــك يومها عـن إختفـاء أعيـاد “عاشوراء” الجميلة التى كنـا نحتفـل بهـا محمليـن بأغصان الياسميـن وأوراق المـوز وباقات الزهـور وقواريـر المياه لنضعهـا بخشـوع واتعـاض على قبـور الصحابـة والأجـداد .. سألتـك بعـد ان أفتقـدت بيـن شوارعـك وأزقتـك هـدرزة العجائـز وضحكات أطفـالك علي حافات السواقي  ..سألتـك يومها ماذا جـرى لـك يا حبيبتي  أيـن شبابـك ، سمار الليالى على جـداول سواقيـك الأندلسية …؟ أيـن باعة مشاميـم الياسميـن و ورودك العطرية … ؟ أيـن مروجك وبساتيـنك الخضراء واشجارالبرتقـال وأشجـارمـوزك الوارفـة … ؟ أيـن باسقـات النخيـل وداليات الكـروم التى كانـت تتهـدل أغصانها على جـدران بيوتـك البيضاء وشرفاتهـا الزرقـاء… أيـن شجيرات الفـل والعطرشان والنسرين التى كانت تزيـن الشوارع والأزقـة والساحات الجميله … ؟ أيـن الحان خريـرالميـاه المنبعث بين أحضان سواقيـك التى كانـت حبـات مياههـا العذبة تتدافـع وتتراقـص فى فـرح على أضواء القمـرأو تنساب متلألئـة تحـت اشعـة شمسـك الدافئـة لتـروي الجـداول والبساتيــن والجنائـن … وأيـن “وكيل الساقية ” ذلك المتطوع الرائع وقـد طـوى ” قبع ” أسفـل سراويله خشيـة البلـل من الماء ،متنقلا بين سوانيك حاملا مسحاته على كتفـه يخترق صوتـه سكون الليـل منبهـا ومناديـا على من عليه الـدور مـن أجـل تحويل “عطفـة الساقية ” وتوزيـع مياههـا بالعـدل بيـن المزارع والسوانى … أيـن سـوق الظلام ودكاكينـه العامرة بالحصروالسجـاد والمباخـر والشنانى والـبدل العربية… واين الدلال الذي يخترقه جيئة وذهابا مناديا علي بضائعه  وأيـن ” البياصة الحمراء ” وصنابيـرمياهها الرقراقـة العذبـة ونوافيرها المتلألئـه … أيــن ســوق الخرازة ، وسـوق الخضار العامر بمختلف الفواكـه والخضروات والأسماك … ؟ أيـن المغـارالشامـخ بمنحدراتـه المرصوفـة بأحجـارالزلـط الرخامية …؟ وأيـن ” الجبيلـة ” وأزقتهـا الجميله المتعرجة …؟ وأين أبومنصور وشارع الفـناروطابق الكلب وزنقـة حشيشة وشارع الكـوى …؟ وأخيرا سألتـك – حبيبتى – أيــن شبابـك أشبـال الصحابة وفرسان الشلال … ؟ أيـن هـم هـؤلاء الشجعـان البواسـل المغاويـرالذيـن لـم يخنعــوا ولـم يطئطؤا الرؤوس للغـزاة الأجانب ولا للطغـاة مـن حكامك …؟ أيـن هـؤلاء الأبطـال الصناديـد أصحـاب الشهامة والرجولة الذيـن فجروا براكيـن غضبك وتمـردك وثوراتك المتتاليـة فى وجـه الغـول والمغول وأزلامهم…أيـن هـم .. ؟ ولماذا خلـت منهـم الساحـات والشـوارع والأزقــة … أيــن ذهبـوا… ؟ ولمـاذا أختفـوا… ؟

ولمــاذا ( يا حلوتـى ) وجدتـك مهجـورة مكلومة ، صامدة وصامته ، يغمرك الحـزن والأسى ولا ترديـن على سؤالى … ؟ وانتظرت منك الجـواب ولكـن طـال إنتظارى ولـم اسمـع مـنك سـوى زفـرات من الحـزن تنطلـق من أعماقـك عبـر تنهيـدات طويلـة يعقبهـا صمـت طويـل مطبــق

ولمـا أعيانى اليـأس مترقبـا جوابـك وقطعـت الأمـل مـن الحصـول عليـه لملمت بقايا حـزنى مقـررا الإنسحاب والرحيل ولكن ، فجأة استوقفنى صوت نسائى رقيق انساب الى أسماعـى من بعيـد ، إنه صوت ( زعبمه بنت الوطن ) يحمـل لى الجـواب المؤلـم الحزيــن قالـت لـى …” أتـريد أن تعــرف ماذا حدث لمدينتك الجميله ( درنـه )أيها القادم المغترب … لقـد اجتاحها الطوفان.. وعبثت بها رياح الغـدر والنسيان وسبـاها “الغــول ” منـذ عشـرات السنيـن فقـص جدائلهـا الطويله وقطـع ثوبهـا المخملى وسمـل عيونهـا العسلية ومـرغ وجههـا فى التـراب وداس بأقـدامه القـذرة على طهارة أرض الصحابـة مقهقها فى خطبة غبيـة جوفـاء حاول فيهـا أن يجـرد تلك الأجسـاد الطاهـرة من قدسيتهـا وأن ينـال من كبريـاء أهـل درنه وشموخ جبالهـا السامقـه التي عايشـت سيـد الخلـق ورويت مـن صفـاء قلبـه النورانـي … تتسـآءل أيها القادم المغترب  … مـاذا حـل بدرنـاك … ؟ وأنا أتسآل … أيـن كنـت أنت وزمـلاؤك… ؟ ألـم تشعـروا بما حـلّ بهـا … ؟ ألم تسمعوا بذلك الزلزال المدمرالذي أراد أن يطمـرها تحت التراب وفي قـاع هـوة التخلف والفقـر والبـدواة ، ألم تسمعوا بزمجرة أسودها وأشبالهـا التى جرحت فى كبريائهـا… ألم يصل الى سمعكم صوت ” وامعتصماه ” تردده الثكالى والأرامل مدويا يتـردد صـداه فى أعماق وديانهـا وسهولهـا … ولا من مجيب… ! وتتسآل يابنى أيها القادم المغترب بعد ذلك ماذا حدث .لدرناك .. ؟

إن ما حـدث لدرنـه سـوف يكتب بأقـلام مـا زالت تنبـض فى رحمهـا الـذى لـن يموت وفى خلاياهـا التى نغصـت على “الغـول ” حياتـه ، إن درنـه وإن كـان ألمهـا عظيمـا ومعاناتهـا قـد طالـت ، مـازال الإيمـان يملأ قلبهـا بــأن “الغـول “زائـل وأنهـا الباقية ، وان معاناتها لـن تطول وسيثـأرلهـا أبناؤوها ، فجهـز نفسـك …أيها القادم المغترب … واشترى لأمـك ” درنـه ” ثـوبا جـديدا وعطـرا فـواحا وأقـراطا من نجـوم السماء وأدعوك أن تركع تحت قدميها طويلا صابـرا مصابـرا ، ومؤمـلا فى روح الله وهـذه بشـرى لـك … سيظل قلبها يحضنك وعيناها تترقبـان حضورك وحضور كافة أبنائها أشبال الصحابة وأسود الشلال لتشرق شمسها من جديد وتزهر ورودها بالحياة وتنطلق من حنايا قلبها الزغاريد والموشحات والقصائد الاندلسية يتردد صداها بين الوديان وفى اعماق الصحراء

وبعـد ان استمعت الى رد ابنـة الوطـن على تسـاؤلى مـددت بصـرى الى الأفــق الممتـد الى مـالا نهايـة فشاهـدت طيورالنـورس البيضاء تسبـح فى زرقــة السماء الصافيـة تتداخـل اسرابهـا المنتظمة مـع أسـراب حمائـم الشـلال والـوادى ، ترفرف بأجنحتهـا الملائكية فـوق ميناء درنـه وفـوق ربـوع الفتائـح وباب شيحـة والوادى الكبيرالـذى جفت فيه المياه منطلقة فى مجموعات متفرقــة ومتلاقيـة باتجـاه الغـرب واتجـاه الشـرق وكأنهـا تريـد أن تؤكــد لى بأن ” درنــه ” لن تموت وأنها فيي سموها  ستكون مثل هذه الطيور وأنهـا ستنتصر وأن أســود الصحابة قادمـون لإنقـاذهـا من قبضـة “الغــول ” وأزلامـه وان ” درنــه ” ستتزيـن للعـرس القـادم عـرس الانتصارالكبيـر

… لقــد عـاد أسـودك أحفـاد ” الصحابة ” يزأرون ويزمجرون بعـد أن حطمـوا السجـون و زلزلـوا الارض من تحـت عـرش ” الغـول ” عـادوا اليـك أشبال أسـودك المغاويـر يسبقهـم صهيـل جيادهم العربية المحجلة وصليـل سيـوف الصحابة وقعقعـة سلاحهم …عـادوا فوارسـك يمتطون التنـك ويقودون القاذفـات ويتمنطقـون الرشاشات ويرددون على وقـع تسابيـح الملائكــة …الله اكبر…الله اكبر…الله اكبر عـادوا يزمجرون بالفـلاة وتتعالى أصواتهم كإعصار مدمر يضـرب ثائـرا فى وجــوه أزلام الطغـاة …عـادوا بعــد ان دكــوا معاقــل الظلـم والبغـى والفسـاد دفاعـا عـن دينهـم وارضهـم وأعراضهـم … فزغـردى يـا أم الشهـداء … زغـردى  ياعـروس الشلال والجبـل الاخضر الأشـم وكفكفى دمعــك الغـالى فقــد رجـع لـك أشبالك وصقورك الأشـاوس متوجيــن بأ كاليـل النصر الكبيرعلى الطغاة ..عـادت اليـك جحافلهـم بعــد أن شاركـت بكـل شجاعـة وإقـدام وتضحيـة فى دك وتدميـر معاقـل الكتائب وحصون الطاغيـة فـى بنغـازى والبريقـة وراس لانوف واجدابيا وسرت وبنى وليـد ومصراتـه وزلطـن والزنتان و طرابلس ..عـادت أسـودهم  اليك  بعـد ان شاركوا فى تحريـر باقي تـراب الوطـن الكبيـر وتخليصة من قبضـة طغمة ” الغـول ” الفاسـدة التى أحرقت وديانــك بالنابالـم وروعـت سكانــك وعـذبت وسجـنت وشردت وقتلـت خيـرة رجالــك ظلمــا وعـدونـا .. عــادوا إليــك أسـودك بعـد ان بذلـوا الدماء الطاهـرة رخيصة فى سبيـل الثــأر لكرامتـك وكبريائــك.. فــلا مكـان بعــد اليــوم فى ارضك إلا لهم  ولا مكان بيـن احضانـك إلالأبنائك وأحفـادك …احفـاد الصحابة الأبـرار.. والله اكبــر … الله اكبــر

About Ashour 66 Articles
A Libyan Carrier Diplomat - Writer & Journalist