عنـدما ينعـدم الضميـر عنــد سعــادة الوزيــر

هذا المقال نشر على صحيفة ليبيا المستقبل  بتاريخ  22 /06 /2012  

مـن خـلال لقـاء غيـر مبرمـج بيـن عـدد مـن الأصدقـاء مـن محاميـن ورجـال قـلـم ودبلوماسيين أثيـر نقـاش عـام عمـا تمر به إدارة وزارة الخارجية الليبية حاليا من فوضى وأوضاع غيـر مستقـرة، ثـم تطـرق النقـاش ضمن هـذا السياق الى عقـد المقارنـات بيـن أوضاعهـا الإداريـة والماليـة والسياسية حاليا ومـا مرت به من اوضاع إيجابية أو سلبيـة خـلال العهديـن ” العهـد الملكى وعهـد القـذافى “، ومـن خـلال مشاركتى فى حمى هـذا النقـاش خرجت بحوصلة من المعلومات والمقارانات الهامة مفـادها أن العهـد الملكى كان يعتبـر العصـر الذهبى لوزارة الخارجية الليبية ، وأن إدارة الوزارة فى ذلك العهـد شهـدت رقيـا و تطورا حضاريا كـان مثار إعجـاب وتقديـر مـن قبل المواطـن الليبى ومن قبل المجتمع الـدولى ، وكـان موظـف وزارة الخارجية الليبية الذى أسهـم بما يحمله من خبـرة وثقافـة بدور ايجابى بارز فى رقيها وتطورها يلقى احتراما وتقديـرا مـن قبـل هذه الوزارة ويعامل على المستوى الشخصى معاملة انسانية راقية وفـق أحـدث الأسس والأساليب فى علم الإدارة

إلا أن هـذه الوزارة ( وزارة الخارجية ) فى أعقـاب إنقـلاب 1969 إنحـدرمستوى إدارتهـا إلى الأســوأ وشهـدت تخبطـا وتفككـا وتناقضا فى أدائهـا على كـل المستويـات ، مما أفقـدها مـا كانـت تتمتع به مـن إحتـرام وتقديـر ومكانة راقية محـليا ودوليـا ، وفقـد موظـف الوزارة هيبتـه وشخصيته ومـا كـان يتمتـع بـه مـن عنايـة ورعايـة ومعاملـة انسانية راقية بين الدول الاجنبية . 

وضمن هـذا الإطـار من النقـاش والحوار المتبادل الذى دار بين الأصدقاء عن أوضاع وزارة الخارجية خلال عهديهـا السابقين وعقـد المقارانـات بيـن السلبيات والإيجابيات ، أستحـوذ علـى إهتمامى بشكـل خـاص مـن بيـن المواضيع التى تطـرق اليها الحـوار قصـة أو مأسـاة الطفلـة ( ع ) إبنـة أحـد  دبلوماسى وزارة الخارجية الليبية  المحترفين المشهـود له بالوطنية والكفـاءة وحسـن السيرة والتى عاصرت مأساتها العهدين ، الملكى  والجماهيرى ، ورأيت أن أكتب عـنها لا لغرابـة موضوعها أو قسـوة أحداثهـا ، أو تعـدد فصولهـا وانمـا لكونهـا فعـلا تمثل نموذج حى يجسـد بعـض مـن تلك المقارنات التى تم التطرق إليها

وصاحبـة المأسـآة ( ع ) لـم تعـد طفلة الآن  ، بـل أصبحـت شابـة كبيرة تعــدت الثلاثين مـن عمرها ، تعـانى ومنـذ أكثـر مـن ثـلاث سنـوات مـن الفشـل الكلـوى الحـاد ، الـذى دمـر حياتهـا ويجبـرها علـى التـردد على إحـدى مصحات الغسيـل الكـلوى فى  طرابلس / ليبيا  بمعـدل ثـلاث مـرات أسبوعيا وتبقى تحت رحمة تغيير الدم خلال كل مرة مـا بين ثـلاث إلى  أربـع ساعات ، ويتولى والـدها الـذى أثقلـت كاهلـه المأسآة ، العناية بهـا وتوصيلهـا بصفة مستمرة مـن وإلى المصحة، حتى أصبحت المصحة جـزء من بيتهـا، وكـان من الممكـن ألا يصـل وضعهـا الصحى الى هـذا المصيـر المأسـوى الـذى دمـر شبابهـا وأغتـال أنوثتها لـو توفـر الوفـاء والضميـر الإنسانى لـدى وزارة الخارجية  الليبية اللـتى تسبـبت لهـا فـى هـذه ” الجريمـة ”  منذ عام 1968 وحتى عام 1999 المثبت ارتكابها رسميـا بالمستنـدات والوثائـق والتقاريـر.

أمـا متى حـدث ذلك…. ؟ وكيـف حـدث …. ؟ فسأحـاول مـن خـلال ســرد مبسـط لقصـة مأسـآة ( ع ) أن أرد علـى هــذه الإستفسارات محـاولا قــدرالإمكـان تحاشـى الخـوض فـى التفاصيــل المملـة أو ذكــر بعـض التواريـخ أو التعـرض لذكـر بعـض أسمـاء الأشخـاص أو الـدول

وتبـدأ مأسآة ( ع ) عام 1967 عندما نقـل والـدها للعمل خلال العهد الملكى  للعمل  بإحدى البعثـات الدبلوماسية الليبية المستحدثة خلال ذلك التاريخ فـى عاصمة جديدة لإحـدى الـدول الأسيويـة ،  وكلف بقيادة البعثة الدبلوماسية بذلك البلد كقائم بالاعمال ، وكانت تعتبر خلال تلك الفترة السفارة الليبية الأولى فى القارة الأسيوية ، وكان هذا البلد الأسيوى يصنف طبقا لجداول وزارة الخارجية الليبية على أنه من المناطق الصعبة ، بسبـب إنتشار الفقـر والأمراض والأوبئـة المعدية فيـه ، ولهــذا كانت أسـرة ( ع ) قبـل مغادرتهـا لليبيـا قـد تحصنت بالتطعيمات المضـادة لبعـض الأوبئة والأمـراض المنتشرة فى ذلك البلـد ، وكانـت ( ع ) وقتهـا طفلـة صغيرة لـم تتعـدى الثانية من عمرها  

ومـع وصـول الأسـرة إلى البلـد الأسيـوي المذكور  ، تمكـن والــد ( ع ) بعــد جهـود وإتصـالات مضنيـة بالتعـاون مع  الجهاز الوظيفى المرافـق له مـن تأسيس مقـر متكامل للسفارة الليبيـة فى ذلك البلـد رغما عن شـح الإمكانيات وضعـف المواصلات وقسـوة الظـروف المعيشية ، وحرص والـد ( ع ) رغما عـن الإنشغـال التام بزحمة تأسيس السفارة الليبية من العدم على العنايـة بأبنتيـه ( ع ) وشقيتها الصغـرى والعمـل قـدر الإمكـان على توفيـر جـو مـن الراحـة والإستقـرار لهـما فى بلـد يعــد مـن أفقـر البـلاد الأسيويـة.

وبالرغـم مـن أن العـام الأول من فتـرة بقـاء والـد (ع ) وأسرته ، فى ذلـك البلـد قـد مـرعليهـم عاما قاسيا ومرهقـا ، إلا أن هـذه الأسـرة الصغيـرة تمكنـت مـن التكيـف مـع ظـروفـه الصعبـة إلى درجـة أن الشقيقتـان تعـودتـا حتى على التعامـل مـع الحشـرات والقـوارض والعقـارب السامة والثعابيـن التى كانـت تتحلـق حـول بيـت الأسـرة والتى كانـت تقـذف بهـا أمـواج الحـرارة الشديـدة والرطـوبة العاليـة فى الكثير مـن الأحيان إلى داخـل هـذا البيت ، وإلى درجـة أن ( ع ) وشقيقتها أصبحتا تنظـران إلى هـذه الحشرات المتطفلـة ،على أنهـا جـزء من مكونـات بيـت الأسـرة وتعـودتـا على استقبالهم كـزوار يجـب التعامـل معهـم بالحسنى ودون الحاق الأذى بـأى منهـم

إلا أن الأمـور خـلال العـام الثـانى لـم تمض كما يـراد لهـا من قبـل الأسـرة السعيـدة ، وذلـك عنـدما فوجئت هـذه الأســرة فـى منتصـف ليلـة مـن ليـالى الصيـف القائــظ ، بإرتفـاع حـاد فـى درجـة حـرارة جسـم الطفلـة أثنـاء إستغراقهــا فـى نـومهـا العميـق ممـا أعجـزها عــن النطــق وأفقـدها التـوازن والقـدرة علـى الحركـة ، فسارع والـدها وقـد سيطـرعليـه الهلـع والتوتـر إلى نقلها جثـة هامـدة لا حـراك فيهـا إلى العيـادة ” الوحـيـدة ” المتوفـرة فى المنطقـة ، وقــذف بجثـة أبنتـه المسجـاة بيـن ذراعيـه ، وقـد ألجـمـت المأساة لسانـه عن النطـق ، بيـن ذراعى الطبيـب المناوب الـذى قـام على الفـوربحملهـا و غطسها فى ميـاه مثلجـة بحجـرة العنايـة ، كمـا قـام فى نفـس الوقت بغـرس حقنـة فى ظهرها الغـض الطـرى لأخـذ عينة مـن نخاعهـا الشـوكى لإجـراء فحوصـات عليـه ، وأظهـرت هـذه الفحوصـات فيمـا بعـد تعـرض الطفلـة لعـدوى مرض ( التهـاب السحـايا ) الـذى كـان منتشـرا فى امنطقـة  العاصمة الجديدة المستحدثة  للدولة الاسيوية ، وأجبـرت الطفلـة علـى البقـاء فى المصحـة تحـت العنايـة الطبيـة والعـلاج المكثـف لمـدة سبعـة أيـام متواليـة أخضعـت خلالهـا إلـى الحقـن اليومى بالمضـاد الحيـوى ( البنسليـن ) بمعـدل ست حقـن يوميـا وإلـى أن تــم القضـاء نهائيـا على فيـروس المرض

وأظهـر التقريـر الطبى الـذى صـدر عن المصحة  بعـد أن تماثلـت ( ع ) للشفـاء بأنهـا عندمـا أحضـرت كانـت فى حالـة مرضيـة سيئـة جـدا وأن التطعيمـات التى كانت قـد حصنت بهـا فى ليبيـا قبـل حضورها للبلـد الأسيوى ضـد خطـر التهـاب السحايا كانت قـد فشلـت فى التصـدى لهـذا المرض اللعين  مهـددة حيـاة الطفلـة بأســوأ إحتماليـن كـان مـن الممكـن أن تصـاب بأحدهما وهمـا …” الإعاقـة الذهنيـة …أو… فقـدان البصـر” ، وأوضـح التقريـر الطبى أيضـا أن غـدة البنكرياس لـدى الطفلـة تعرضـت لبعـض الأضـرار، إمـا بسبـب مـرض التهـاب السحايا ، أو ربما بسبـب كثافـة حقن الطفلة  بالبنسلين للقضاء عليه ، ونصح التقريـر بمتابعة وضعهـا الصحـي فـى بلـد متطـور طبيـا للحفاظ على سلامة غـدة البنكرياس  

وعلى أثـر صـدور التقريـرالطبى قـام والـد ( ع ) بإرسالـه فـورا لعلـم وزارة الخارجية الليبية  بمدينة البيضاء ، طالبا نقله وفقا للوائح المطبقة  بالوزارة الى أاقرب  بلـد متقـدم طبيـا لمتابعـة عـلاج إبنتـه ، وكـم كانـت فرحتـه لا توصـف عندمـا أستلـم إستجابـة عاجلـة لإستغاثتـه مـن قبـل وزيـرالخارجيـة ” شخصيا ” تقضى بنقلـه ( فـورا ) للولايـات المتحـدة الامريكية للعمـل بهـا  لاستكمال  مدةعمله بالخارج ولمتابعـة عـلاج أبنتـه ، وكانـت هـذه لفتـه إنسانية رائعـه مـن وزيـر الخارجية  ( الإنسـان ) صاحـب الضمير الحـى المرحـوم ” ونيس القـذافى” طيـب الله ثـراه وجعـل هـذه المكرمة الإنسانية فى ميـزان حسناتـه اوائل  عام 1969

إلا أن الأطبـاء فـى أمريكـا عـن طريـق ” كونصلتـو ” طبـى ، بعــد إجـراء سلسلـة مـن الفحوصـات رأوا عــدم وجـود أى أمـل فـى معالجـة غــدة البنكريـاس التى تضررت لـدى الطفلـة ، ونصحــوا فقـط بصـرف بعـض العقاقيـرالتـى قــد تعمـل علـى عــدم تدهــور حالتهــا الصحيـة إلـى الأسـوأ ، وبـأن تكـون خـلال تلـك الفتـرة تحـت الرعايـة والعنايـة الطبيـة الدقيقـة لمدة عام او عامين ، على أمـل ان يتـم بحـث وضعهـا بصورة أكثـر دقـة ، إلا أن الريـاح تأتـى بمـا لا تشتهـى السفـن فقــد تزامـن تواجــد ( ع ) فـى أمريكـا بهـدف العــلاج مـع وقــوع إنقـلاب 1969 فـى ليبيــا ، فلـم تتمكـن مـن مواصلـةعلاجهـا بسبـب قــرارالقيـادة الليبيـة الجديـدة ( المتعسـف ) بضرورة عـودة والـدها إلى ليبيـا ، وإحـلال أحـد كبار ضبـاط الجيـش الليبى المبعـد محلـه

وفى ليبيـا وتحت أجـواء الإنقـلاب العسكرى ومـا أعقبه مـن سنـوات عجاف قاسية فى القطاع الصحى ، كانت الظـروف غيـر مواتيـة لمواصلة عـلاج ( ع )  فى ليبيـا ، كما لـم تتـح لها الفرصـة لمواصلة علاجهـا بالخـارج إلا بعـد مـرور أكثـر من ثـلاث سنـوات وذلك عندما صـدر قــرار بتعييـن والـدها للعمـل بإحـدى الـدول الأوروبيـة ، وفـى هـذه الدولـة الأوروبية ، أخضعـت ( ع ) لعــدد مـن الفحوصات التـى أسفـرت عـن نتائـج كانـت للأسـف مخيبـة لآمـال أسـرتهـا حيـث اتضـح  عطب  ” غـدة البنكرياس ” وإصابتهـا بـداء سكـر الأطفال  وهـى بعـد لـم تتعـدى االثامنة من عمرها ولا توجـد أى بـادرة أمـل فى إنقـاذها مـن هـذا المصير المؤلم  الذى أخضعها منذ تاريخـه يوميا لجرعـات منتظمـة ومتفاوتـه مـن الحقـن بالأنسليـن .

ومرت السنين ثقـالا ومؤلمـة علي ( ع ) وأسرتهـا و كبـرت الطفلـة وأصبحت شابـه ناضجـه ، ولكـن رفيقهـا ” السكرى ” كبـرمعهـا أيضا وازدادت قسوتـه وضراوة مضاعفاتـه التى أخـذت دون رحمة تنهــش فـى أجـزاء جسمها النحيـل ، ففقـدت الإبصـار بإحـدى عينيهـا وابتـدأ الخطـر يزحـف مهـددا الإبصار فى عينهـا الأخـرى، وهــزل جسمهـا ورق عظمهـا ووهنـت مقاومتهـا ، وبــدأت أخـطـار الفشـل الكلـوى محدقــة بهــا مـن خـلال نتائـج التحليـلات التـى كانـت تجريهـا بصفـة دوريـة

وواجهت ( ع ) كـل هـذه التطورات السيئـة بشجاعـة ، صابـره ومصابـرة تقـاوم بشـدة وعـزم وإيمـان هجـوم المرض ومضاعفاتـه على جسمها النحيـف واستطاعـت رغـم ضـراوة وقسـوة هـذا المرض ، إتمـام دراستهـا الجامعية والإنتساب للدراسات العليـا وأجادت دراسة عــدد مـن اللغـات الأجنبية  كما تفوقت فى دراسة فـن الرسم  التشكيلى ، وشاركت فى عـدة معارض برسوماتها ، ولكـن طموحهـا وهـى الشابـة التى نضجـت وأصبحـت فى عمـر الزهـور تتشوق إلى تحقيـق أحلامها فى الحيـاة السعيـدة ، وربما الأمل فى تكويـن بيـت وأسـرة شأنهـا فـى ذلك شـأن أترابهـا ممـن هـم فى سنها  ، ولكن  هذه الامال لـم يكـن ميسـرا لـها ان تتحقـق فى مواجهـة مصاعـب وأخطـارغـول المـرض الـذى أخـذ ينهـش فـى  جسمها الصغيـر ويشـل مقاومته

وفجـأة وبـلا مقدمـات …. قيـض الله سبحانـه وتعـالى لهـا ” الفرصـة الذهبيـة ” التى لـم تكـن تتوقعهـا ( ع ) أو حتى  تحلـم بهـا ، وذلك عندما علمت بترشـح والـدها للعمـل فى إحـدى الـدول الأوروبية المتقدمـة طبيـا ، وكما هـى العـادة المتبعـة فى وزارة الخارجية ، أرسـل أسـم والــد ( ع ) ضمـن قائمـة الأسمـاء المرشحـه للعمـل بالخـارج إلـى الجهات الأمنيـة  الليبية للموافقـه عليها قبـل الشـروع فـى إصـدار قـرارات التعييـن ، وعندمـا استلمـت الوزارة الـرد بالموافقـه الأمنيـة على قائمة الأسماء المرشحة والتى كـان  اسم والـد  ( ع ) مـن ضمنهم ،  فوجـىء هـذا الأخيـر، بتحفظـات أبـداهـا وزيـرالخارجية “شخصيا ” على إيفـاد والـد ( ع  )  من دون زملائه للخارج ، طالبا مـنه بصفـة خاصة إحضـار إفـادات مفصلة مـن دائرتى الأمـن الداخـلى والأمـن الخـارجى تؤكـد علـى عـدم ممانعـتهما على إيفـاده للعمل بالخارج ، وهـو إجراء أحادى  قصد به والـد ( ع )  بالذات من دون يطبق على بقية زملائه ممن  شملتهم  قائمة الخروج الموافق عليها من قبل السلطات الامنية ، وكـان هـذا التحفظ  الذى أبداه وزيـر الخارجية على ندب والـد (ع ) للعمل بالخـارج  رغما عن استلام وزارة  الخارجية للموافقة الامنية  على أسم والـد (  ع ) الـذى كان  مدرجا من  ضمن  قائمة الاسماء الموافق عليها بالقائمة   ،وكان هذا التصرف  من قبل الوزارة مثار استغـراب واستهجـان مـن قبـل العـديـد مـن زمـلاء والـد (ع )  فـى العمـل ، الذيـن دفعتهـم النخـوة والحميـة كـل حسـب مقدرتـه ، وبكـل مـا يملـك مـن معرفـة ووساطـة ، إلـى  تحمل عبء الإتصال  بالجهات الأمنية  لتأميـن هـذه الموافقـات الخاصة تحديـا لتحفظات سعادة  الوزيـر. 

وفعلا  بجهود  أحد زملائه فى العمل  (  السفير ص ) تم تامين هذه الموافقات الأمنية التى قدمت للسيد وزير الخارجية  والتى عندها  لـم يجـد سعادة  الوزيـر أى حجة مقنعه  للإعتراض على سفـر والـد ( ع )  للعمـل  بالسفارة المقترحة ، وتـم  فعـلا إيفـاده للعمـل  فى أوائـل شهر يوليو 2001  على أساس أن يكون إنتدابه طبقا لقرار الإيفـاد  لمـدة (  أربـع سنوات ) ، أى حتى بداية يوليو  2005 ، وكانـت فرحـة اسرة ( ع ) كبيـرة لا توصـف عندما علمت بهذا الخبـرالـذى بلا شـك سيفتح  لأبنتهم أبـواب الأمـل لمتابعـة علاجهـا خاصـة وأنهـا كانـت تمـر بأسـوأ حـالات اليـأس والإحبـاط بعـد أن أخـذ المـرض اللعيـن ينهش فى جسمها ويهددهـا بالفشـل الكلـوى إذا لــم تتلـق عنايـة طبيـة خاصـة

وعنـد وصـول والــد ( ع ) إلـى  عاصمة البلــد الأوروبـى برفقـة أسرتـه أمضـى الشهـور الأولـى فى تأميـن إقامتـه وفى تكيـيف نفسـه مـع العمـل الجـديـد ومتطلباتـه ، كمـا قــام خـلال هـذه الفتـرة أيضـا “منتهـزا الفرصة ” بعـرض أبنتـه على عــدد مـن الإخصائييـن لمعالجـة وضعهــا الصحـى ، وأخضعــت لعــدد مـن الفحـوصـات المكثفـة التى أظهـرت ” للأسـف ” توقـف نشـاط إحـدى الكليتيـن تمـاما ، بينما الكليـة الأخـرى تعمـل بأقــل من 20 % مـن نشاطهـا الأمـر الـذى أكــد علـى أن ( ع ) أصبحـت مهـددة بالفشـل الكلـوى التـام فـى أى لحظـة ، ونصـح الأطبـاء بـأن تحـال على إحـدى المصحـات التخصصية فـى زراعـة الكـلى لإجـراء فحوصـات دقيقـة لتهيئتهـا لتلقـى عملية زراعة للكلـى مع البنكرياس ،  وتـم فتـح ملـف خـاص بوضعهـا الصحـى فى مصحة متخصصة بالزراعة  (……. )  بالبلد الاوروبى وأدرج أسمهـا ضمـن قائمـة تسمى بقائمة ” الأسبقيـات ” فـى تلقـى الزراعـة عندمـا يحيـن دورهـا الـذى قــد يكـون خـلال عـام أو عاميـن ، او ربما حتى ثلاثة ، وعـادة مـا تتـولى المصحـة الإتصـال بالمريـض المسجــل عنــدها فـى قائمـة الأسبقيـات  فى اى وقت  مساءا او نهارا وإبلاغـه بالحضـورالفورى لتلقـى الزراعـة عندمـا تتوفـر الكليـة البديلـة مع البنكرياس ، وعلى إعتبار أن حالـة ( ع ) لـم تصـل بعـد للفشـل الكـلوى التـام ولكونهـا صغيـرة فـى السـن ، فقـد أعطيـت ( الأسبقية القصوى ) فى زراعة الكـلى  والبنكرياس وتـم تقديـم المساعـدات وإجـراء التحليـلات المتممة والعنايـة بهـا وتهيئتها كلينيكيا ونفسيا لإستقبال هـذا الحـدث العظيـم فى حياتها

إلا أنـه وللمـرة الثانيـة تأتى الريـاح بما لا تشتهى السفـن ، فقـد فـوجـىء والـد ( ع ) الـذى لـم يمض على تواجـده فى العمـل فـى هـذا البلــد الأوروبى  سـوى ثمانيـة أشهـر فقـط ، كـان خلالهـا قــد هيـأ أبنتـه لتحقيـق حلمها الكبيـر فى زراعـة للكلـى ، فـوجـىء بقـرار ” جهنمى ” عاجـل  يقضى بعـودته فـورا وخـلال  ثلاثة اسابيع فقـط  إلى ليبيـا بسبـب إحالتـه على التقاعـد نظـرا لبلوغـه ســن ” 62 عاما ” ، علما بـأن جميـع موظفى وزارة الخارجية كانـوا يحالـون على التقاعـد بعـد إتمام سـن 65 عاما ومـن حق الوزيـر فـوق ذلـك مراعـاة لبعــض الظــروف الخاصة أن يمـدد فـى إستمـرار المحـال علـى التقاعــد فـى عملـه لمـدة سنتيـن أخرييـن وقـد استخـدم سعـادة الوزيـرهـذه الصلاحية مع الأحباب والأصدقـاء والموالـون شخصيا  لـه وللنظـام بصفة خاصة ، ولم يتكرم بهذه الصلاحية  او المكرمة  لا هو ولا السيد السفير على  منحها  لوالـد (ع ) الذى كان  فى اشد الحاجة لها على الاقل من باب الوفاء خاصة  وانه قد قـدم  لادارة وزارة الخارجية عن طريق  السفير  كافة المستندات الطبية الملحة بالخصوص  

شـىء مؤسـف …!! أن يعامـل موظـف أمضـى زهـرة شبابـه فـى خدمـة وزارة الخارجيـة بهــذا الأسلـوب البـربـرى وهو الذى لـم يصـدر عنـه طيلة فترة عمله ما يشيـن وأن يعامل  وكأنـه مجـرم مطلـوب للعدالـة ولـيس موظـف منقـول …!! .. وشـىء مؤسـف ان ينعــدم ” التقديـر والوفـاء ” إلى هـذه الدرجـة مـن الإستهتـار بقيـم ومشاعـر الموظـف ، وكـان مـن الممكـن معاملة والـد ( ع ) معاملة إنسانية وأخلاقيـة راقيـه ليس فقـط ، مراعـاة للوضع الصحى السىء الذى كانت تمر به إبنته التى  كانت قد ( هيئت كلينيكيا )  لتلقى زراعـة الكـلى والبنكرياس ، وكانت فرصة ذهبية لها لا تعوض ،  خاصة وأن والد ( ع ) محال على التقاعد  وهذه الفرصة لعلاج إبنته تعتبر فرصة ذهبية  لن تتكرر له من جديد

أن والـد ( ع ) تــم إيفـاده للعمـل بالخـارج على أسـاس أن يمضى فـى العمـل بالسفـارة مــدة ” 4 ” سنـوات  طبقا لما ورد فى قرار الإيفاد ،  أى أن  سـن تقاعـده هـى 65 سنة وليس 62 سنة ،  وهو ما كان متبع مع كل موظفى الوزارة  ، أى أن تقاعـده يحـل بعـد أربـع سنـوات مـن تاريـخ إيفـاده ،  إلا أن هـذا التقليص فى سن التقاعد  الـذى أدخـله  مؤتمر الشعب العام  علـى سـن تقاعـد موظـفى وزارة الخارجية فجـأة ودون أى مقدمات  ( لغرض فى نفس يعقوب ) قطع فجأة مـدة إيفـاد والـد ( ع ) لتكون  ” فقط 8 شهور وليس اربع سنين ”  وكــان يجــب علـى أقـــل تقديــر مــن بــاب التكريــم والوفـــاء ” وحتى بصـرف النظــر عــن وضـع إبنتـه ، أن يمنـح حقــه فـى إتمـام المـدة المتبقيـة لــه أسـوة بمـا هـو متبـع ومطبـق فـى جميـع ” الــدول المتحضرة والراقية ” التى لا تحيـل الموظـف الموفــد للعمـل فى سفاراتها على التقاعـد إلا بعـد أن يكـون قــد أتــم مـدة إيفـاده.

وليـت الأمـر توقـف عنـد هـذا الحـد بــل الأدهـى والأمـر أن والــد ( ع ) مـن باب حرصـه علـى عـدم ضياع فرصة العـلاج التى توفـرت لإبنتـه فى البلد المضيـف طلـب منحـه إجـازة بـدون مرتب لكـى يتابـع موضوع علاجها على حسابـه الخـاص… فماذا كانـت النتيجـة ….؟؟؟ أرسلـت وزارة الخارجيـة الليبيـة مذكـرة إلـى وزارة خارجيـة الدولـة المضيفـة تنهـى فيهـا إقامتـه الدبلوماسية التـى كانـت ساريـة ، والتى كانـت تمثـل العمـود الفقـرى لمواصلة عـلاج إبنته ( ع ) حيـث أن الإستفـادة مـن زرع الكلى بالدولـة المضيفـة يعتبر مقصورا فقـط على مواطنيها وعلى من يحملون إقامات مشروعـة بهـا ، ويعتبر إنهـاء إقامـة والـد ( ع ) بهـذه الصورة البربرية المشينه إرتكاب ” جريمـه ” فـى حـق ( ع ) أى قتلها وحرمانها مـن أغلـى فرصة سنحت لهـا فـى حياتهـا للتخلص النهائى مـن مـرض الفشـل الكلـوى ، كما تـم  إكتمال هذه الجريمة بارسال البديل  لوالـد ( ع )  عبارة عن موظف يكبره سنا  يبلغ ال65 عاما  متقاعد منذ سنتين تربطه علاقة شخصية بوزير الخارجية  

وهكـذا تسبـب سعـادة  الوزير  اوربما سعادة السفير الظالـم فـى قتــل ( ع ) وهـى على قيـد الحيـاة ، الأمـر الـذى أكـد على إنعـدام الضميرعنـدهما إذا ما قـورن موقفـهما السىء اللا إنسانى هـذا بذلك بالموقـف الإنسانى النبيل الرائـع الـذى صـدرعـن  السيـد  المرحـوم بإذن الله  ( ونيس القذافى ) وزير خارجية العهـد الملكى اتجـاه مأسـاة (ع )  … ولكن  كما يقال عندمـا ينعــدم الضميـرلــدى ” سعـادة الوزيـر  وسعادة السفير ” تتعطــل كافــة حـواسـهما وتظهــر أحقـادهما ويغــدوان  لا يفقــهان ولا يبصـران  ولا يسمـعان  ولا يرحـمان  وتصبـح الإنسانيـة عنـدهما  مجـرد ديكـور مظهـرى لامـع  يخـدعان به الكثيـر ممـن لا يعرفونـهما  على حقيقتـيهما  .

   

About Ashour 66 Articles
A Libyan Carrier Diplomat - Writer & Journalist